ليالي العشر المباركة - بقلم الاستاذ الشيخ علي المن
((منقول عن مجلة العمامة))
يحتفل الدروز كل سنة, بعيد الأضحى المبارك, وتسبق الإحتفالات, سهرات ليالي العشر المباركة, التي أصبحت تقليدا سنويا متبعا, وسُنّة توحيدية معروفة, ومنهجا دينيا متفقا عليه, في أوساط الدروز في كل مكان. وهذه الليالي, هي متعة روحية ودينية فائقة, بالنسبة لرجال الدين, الذين يقومون بواجباتهم الدينية, خلال كافة أيام السنة, فهم ينتظرونها بفارغ الصبر, طوال أيام العام, لأنهم يشعرون خلال وجودها, نوعاً من التسامي والتعالي, والشعور بالتألق الروحاني, وبالنشوة الدينية, وبالمتعة الفكرية, حيث تنفتح أمامهم, خلال هذه الأيام, أبواب السماء, وينظرون بأفكارهم, الى ما وراء هذا الكون, والى ما يوجد خلف الحُجب, والى عوالم جديدة مثيرة, موجودة في عالمنا هذا, لكننا لا نشعر بها, خلال حياتنا العادية.
في هذه الليالي, تُتلى النصوص المذهبية, وتُنشد الأشعار الروحانية, وتُسمع المواعظ الاجتماعية, وهذا يتم عادة, في كافة الاجتماعات الدينية المتّبعة لدى أبناء التوحيد. لكن الخاص في ليالي العشر, هو ان ذلك يكون مركَّزاً خلال ايام متتالية, وبانتظار عيد الاضحى المبارك. وهناك الكثيرون من الدروز المتدينين, الذين لا تسمح لهم اعمالهم وأشغالهم, بأن يقصدوا الخلوات في المواعيد المحددة دائماً, ولكن في ايام العشر, يحاولون بقدر الإمكان, حضور جميع السهرات, والإستمتاع بكافة الاجتماعات, لأن في ذلك فرصة لا تُعوَّض إلا بعد سنة. وهذا التركيز, وهذا التجمع, يخلق جواً فريداً من نوعه عند رجال الدين, بحيث يفتح القلوب, وينقّي الأذهان, ويروِّض الاجسام, ويدفع الانسان الى التطلع الى آفاق جديدة, وأطر حديثة, لم يعهدها من قبل, وفيها أفكار وحيوات وعناصر لم يألفها, حيث ان الانسان في حياته اليومية, يعيش من لحظة الى لحظة, ياكل ويشرب, ويبني نفسه وينتبه فقط الى مسافة قريبة أمامه.
وفي هذه الأيام, يُفسح المجال امام الانسان المتدين, الذي يحضر كافة السهرات الدينية, ان يتعمّق بمذهب التوحيد, وأن يكتشف فيه خلايا جديدة, وأن يتبحّر بكنوزه ومعادنه, وأن يصقل معلوماته ومداركه, وهذا بحد ذاته, امر كبير, لأن كل دين التوحيد مبني على النشوة الروحية, وليس على المكاسب المادية, فهذا المذهب, الذي يعتمد على الفكر والعقل والكلمة, هذا المذهب هو الذي يدفع المؤمن الى فيض من الافكار والمعلومات والتطلعات, مجرداً من المواد المحسوسة, ومترفعاً عن الشهوات الجسمانية العادية, وبعيداً عن كل الملذات الحياتية الرخيصة, فالمؤمن الذي يتّبع مذهب التوحيد, عندما يتركز في روحانيات المذهب, ينظر الى مباهج الحياة بازدراء, ويشعر الى اي مدى يقتل الانسان اخاه الانسان, من اجل منصب, او مركز, او مادة, او غنى,او نفوذ, وهو يتطلع بسخط, على اولئك الذين يتدافعون وراء المادة, ويتهافتون على السلطة والنفوذ, وعلى اولئك الذين يتقاتلون ويتصارعون, من اجل اشياء زائلة لا قيمة لها احياناً.
إن المتدين الذي يحضر هذه السهرات, ويستوعب كل ما يسمع فيها, يصل الى عيد الاضحى المبارك, مهياً تهيئة روحانية, لتقبل ايام العيد الكبير, بالحلة الفكرية المناسبة, خاصة اذا حاول في هذه الايام, بقدر الامكان, ان يترفّع عن الشؤون الدنيوية الرخيصة, التي يزاولها كل يوم. وهناك عدد من المشايخ الاتقياء, يقومون بمزاولة الصيام المستمر, خلال هذه الايام العشرة المباركة, وإذا صاموا طبعا عن الأكل, فإنهم يصومون عن كل العادات الحياتية اليومية الاخرى, التي يزاولونها في الايام العادية, وهذه فضيلة محبذة, يتسم بها الاتقياء من رجال الدين, سنة بعد سنة, وتُكسبهم الشعور بأنهم يؤدون واجباتهم الروحانية على اكمل وجه.
وليالي العشر, والسهرا ت الدينية, مفتوحة أمام كافة ابناء الطائفة, بحيث يستطيع كل فرد, ان يضع غطاء على رأسه فقط, وأن يدخل الخلوة, ويحضر القسم الاول من السهرة, وهناك عشرات الشباب, الذين يدأبون كل سنة, على حضور سهرات ليالي العشر المباركة, وهم يقولون انهم يشعرون بنشوة كبيرة فيها, وكـأنهم يتزوَّدون بقوت روحاني كبير لباقي ايام السنة. وحبذا لو حاول كل فرد منا, ذكراً أم أنثى, ان يفكر خلال ايام العشر, ان يتوجه الى احدى الخلوات القريبة منه, وأن يحضر السهرة, وأن يجتمع برجال الدين, وان يشاهد مجلسهم, ويسمع حديثهم, ويرى بأم عينيه, ما يجري في مجالسهم, فهو بذلك يحظى بفائدة كبيرة, وبمكسب شخصي, وإذا حاول كل فرد منا, ان يعمل شيئا ما لنفسه ولطائفته ولمجتمعه, فإن المحصِّلة الجماعية, تكون بأن يقوى المجتمع باسره, وأن تُثبَّت اركان الطائفة كلها, وأن يتوجه ضمير الانسان الى الخير والمحبة والتآخي والتفاهم. وكل انسان منا يصلِّح ما بنفسه, فإننا جميعاً, نصل بمجتمعنا كله الى الخير والإصلاح.
ساعات عمل اقل في ليالي العشر
توصلت الرئاسة الروحية والمجلس الديني, في السنة الأخيرة, إلى إنجاز كبير, يتعلق بليالي العشر المباركة, وهو عقد اتفاق مع الدولة, يتم بموجبه, منح كافة الموظفين الدروز, في جهاز الدولة, من معلمين وشرطة وموظفين, ساعتين كل يوم من الدوام, بحيث يتمكن كل موظف, من ترك العمل قبل ساعتين من الموعد المحدد, لكي يستطيع الوصول إلى بيته, وحضور سهرات ليالي العشر المباركة, وسيبدأ العمل بهذا الإتفاق إبتداء من هذه السنة.